فصل: تفسير الآيات (38- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



غير أنه تعالى ذكر في مواضع من كلامه أنهم حرفوها واختلفوا فيها.
وقصة بختنصر وفتحه فلسطين ثانيا وهدمه الهيكل واحراقه التوراة وحشره اليهود إلى بابل سنة خمسمائة وثمان وثمانين قبل المسيح ثم فتح كورش الملك بابل سنة خمسمائة وثمان وثلاثين قبل المسيح واذنه لليهود أن يرجعوا إلى فلسطين ثانيا وكتابة عزراء الكاهن التوراة لهم معروف في التواريخ وقد تقدمت الاشارة إليه في الجزء الثالث من الكتاب في قصص المسيح عليه السلام.
2- قصص موسى عليه السلام في القرآن: هو عليه السلام أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن الكريم فقد ذكر اسمه- على ما عدوه- مائة وستة وستين موضعا من كلامه تعالى، وأشير إلى قصته إجمالا أو تفصيلا في أربع وثلاثين سورة من سور القرآن، وقد اختص من بين الأنبياء بكثرة المعجزات، وقد ذكر في القرآن شئ كثير من معجزاته الباهرة كصيرورة عصاه ثعبانا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وفلق البحر، وانزال المن والسلوى، وانبجاس العيون من الحجر بضرب العصا، واحياء الموتى، ورفع الطور فوق القوم وغير ذلك.
وقد ورد في كلامه تعالى طرف من قصصه عليه السلام من دون استيفائها في كل ما دق وجل بل بالاقتصار على فصول منها يهم ذكرها لغرض الهداية والارشاد على ما هو دأب القرآن الكريم في الاشارة إلى قصص الأنبياء وأممهم.
وهذه الفصول التي فيها كليات قصصه هي: أنه تولد بمصرفى بيت اسرائيلي حينما كانوا يذبحون المواليد الذكور من بنى إسرائيل بأمرفرعون وجعلت أمه اياه في تابوت وألقته في البحر وأخذ فرعون اياه ثم رده إلى أمه للارضاع والتربية ونشأ في بيت فرعون.
ثم بلغ أشده وقتل القبطى وهرب من مصر إلى مدين خوفا من فرعون وملئه أن يقتلوه قصاصا.
ثم مكث في مدين عند شعيب النبي عليه السلام وتزوج إحدى بنتيه.
ثم لما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا وقد ضلوا الطريق في ليلة شاتية فأوقفهم مكانهم وذهب إلى النار ليأتيهم بقبس أو يجد على النار هدى فلما أتاها ناداه الله من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة وكلمه واجتباه وآتاه معجزة العصا واليد البيضاء في تسع آيات واختاره للرسالة إلى فرعون وملئه وانجاء بنى إسرائيل وأمره بالذهاب إليه.
فأتى فرعون ودعاه إلى كلمة الحق وأن يرسل معه بنى إسرائيل ولا يعذبهم وأراه آية العصا واليد البيضاء فأبى وعارضه بسحر السحرة وقد جاؤا بسحر عظيم من ثعابين وحيأت فألقى عصاه فاذاهى تلقف ما يأفكون فالقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون وأصر فرعون على جحوده وهدد السحرة ولم يؤمن.
فلم يزل موسى عليه السلام يدعوه وملأه ويريهم الآية بعد الآية كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات وهم يصرون على استكبارهم، وكلما وقع عليهم الرجز قالوا: يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل فلما كشف الله عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون.
فأمره الله أن يسرى بنى إسرائيل ليلا فساروا حتى بلغوا ساحل البحر فعقبهم فرعون بجنوده فلما تراءى الفريقان قال أصحاب موسى أنا لمدركون قال كلا ان معى ربى سيهدين فامر بأن يضرب بعصاه البحر فانفلق الماء فجاوزوا البحر وأتبعهم فرعون وجنوده حتى إذا ادار كوا فيها جميعا أطبق الله عليهم الماء فأغرقهم عن آخرهم.
ولما أنجاهم الله من فرعون وجنوده وأخرجهم إلى البر ولا ماء فيه ولا كلاء أكرمهم الله فأنزل عليهم المن والسلوى وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم فشربوا منها وأكلوا منهما وظللهم الغمام.
ثم واعد الله موسى أربعين ليلة لنزول التوراة بجبل الطور فاختار قومه سبعين رجلا ليسمعوا تكليمه تعالى اياه فسمعوا ثم قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ثم أحياهم الله بدعوة موسى، ولما تم الميقات أنزل الله عليه التوراة وأخبره أن السامري قد أضل قومه بعده فعبدوا العجل.
فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا فأحرق العجل ونسفه في اليم وطرد السامري وقال له: اذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس وأما القوم فامروا أن يتوبوا ويقتلوا أنفسهم فتيب عليهم بعد ذلك ثم استكبروا عن قبول شريعة التوراة حتى رفع الله الطور فوقهم.
ثم إنهم ملوا المن والسلوى وقالوا لن نصبر على طعام واحد وسألوه أن يدعو ربه أن يخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها فامروا أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم فأبوا فحرمها الله عليهم وابتلاهم بالتيه يتيهون في الأرض أربعين سنه.
ومن قصص موسى عليه السلام ما ذكره الله في سورة الكهف من مضيه مع فتاه إلى مجمع البحرين للقاء العبد الصالح وصحبته حتى فارقه.
3- منزلة هارون- عليه السلام عند الله وموقفه العبودي: أشركه الله تعالى مع موسى عليهما السلام في سورة الصافات في المن وايتاء الكتاب والهداية إلى الصراط المستقيم وفي التسليم وأنه من المحسنين ومن عباده المؤمنين (الصافات: 114- 122) وعده مرسلا (طه: 47) ونبيا (مريم: 53) وأنه ممن أنعم عليهم (مريم: 58) وأشركه مع من عدهم من الأنبياء في سورة الانعام في صفاتهم الجميلة من الاحسان والصلاح والفضل والاجتباء والهداية (الانعام: 84- 88).
وفى دعاء موسى ليلة الطور: {واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى أشدد به أزرى وأشركه في أمرى كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا} طه: 35.
وكان عليه السلام ملازما لاخيه في جميع مواقفه يشاركه في عامة أمره ويعينه على جميع مقاصده.
ولم يرد في القرآن الكريم مما يختص به من القصص الا خلافته لاخيه حين غاب عن القوم للميقات وقال لاخيه هارون اخلفنى في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا وقد عبدوا العجل ألقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بى الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لى ولاخى وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.
4- قصة موسى عليه السلام في التوراة الحاضرة:
قصصه عليه السلام موضوعة فيما عدا السفر الأول من أسفار التوراة الخمسة وهى: سفر الخروج وسفر اللاويين وسفر العدد وسفر التثنية تذكر فيها تفاصيل قصصه عليه السلام من حين ولادته إلى حين وفاته وما أوحى إليه من الشرائع والأحكام.
غير أن فيها اختلافات في سرد القصة مع القرآن في أمور غير يسيرة.
ومن أهمها أنها تذكر أن نداء موسى وتكليمه من الشجرة كان في أرض مدين قبل أن يسير بأهله وذلك حين كان يرعى غنم يثرون (1) حمية كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فناداه الله وكلمه بما كلمه وأرسله إلى فرعون لانجاء بنى إسرائيل.
ومنها ما ذكرت أن فرعون الذي أرسل إليه موسى غير فرعون الذي أخذ موسى ورباه ثم هرب منه موسى لما قتل القبطى خوفا من القصاص.
ومنها أنها لم تذكر ايمان السحرة لما ألقوا عصيهم فصارت حيات فتلقفتها عصا موسى بل تذكر أنهم كانوا عند فرعون وعارضوا موسى في آيتى الدم والضفادع فأتوا بسحرهم مثل ما أتى به موسى عليه السلام معجزة.
ومنها أنها تذكر أن الذي صنع لهم العجل فعبدوه هو هارون النبي أخو موسى عليهما السلام وذلك أنه لما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه؟ فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الشعب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.
فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالازميل فصبغه عجلا مسبوكا فقالوا أهذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.
وفى الايات القرآنية تعريضات للتوراة في هذه المواضع من قصصه عليه السلام غير خفية على المتدبر فيها.
وهناك اختلافات جزئية كثيرة كما وقع في التوراة في قصة قتل القبطى أن المتضاربين ثانيا كانا جميعا إسرائيليين وأيضا وقع فيها أن الذي ألقى العصا فتلقفت حيات السحرة هو هارون ألقاها بأمر موسى.
وأيضا لم تذكر فيها قصة انتخاب السبعين رجلا للميقات ونزول الصاعقة عليهم واحياءهم بعده.
وأيضا فيها أن الالواح التي كانت مع موسى لما نزل من الجبل وألقاها كانت لوحين من حجر وهما لوحا الشهادة.
إلى غير ذلك من الاختلافات. اهـ.

.تفسير الآيات (38- 42):

قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وقال فرعون} جوابًا لهذا الترغيب والترهيب بعد الإعذار، ببيان الآيات الكبار، قانعًا في مدافعة ما رأى أنه اجتذب قومه الأغمار الأغبياء عن الجهل من ظهور تلك الآيات البينات بأن يوقفهم عن الإيمان إلى وقت ما، وكذا كانت عادته كلما أظهر موسى عليه الصلاة والسلام برهانًا، لأن قومه في غاية الغباوة والعراقة في الميل إلى الباطل والنفرة من الحق وترجيح المظنة على المئنة: {يا أيها الملأ} أي الأشراف، معظمًا لهم استجلابًا لقلوبهم {ما علمت لكم} وأعرق في النفي فقال: {من إله غيري} نفى علمه بذلك إظهارًا للنصفة، وأنه ما قصد غشهم، وذلك منه واضح في أنه قصد تشكيكهم، إشارة منه إلى أن انتقاء علمه بوجوده ما هو إلا لانتفاء وجوده بعد علمه بأن الحق مع موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أنهى ما قدر عليه بعد رؤيتهم لباهر الآيات، وظاهر الدلالات؛ ثم زاد في إيقافهم عن المتابعة بأن سبب عن جهله قوله لوزيره معلمًا له صنعة الآجر لأنه أول من عمله، مع أنه هذه العبارة أشبه بهمم الجبابرة من أن يقول: اصنع لي آجرًا: {فأوقد لي} أضاف الإيقاد إليه إعلامًا بأنه لابد منه {يا هامان} وهو وزيره {على الطين} أي المتخذ لبنًا ليصير آجرًا؛ ثم سبب عن الإيقاد قوله: {فاجعل لي} أي منه {صرحًا} أي بناء عاليًا يتاخم السماء، قال الطبري: وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر، وقال الزجاج: كل بناء متسع مرتفع {لعلي أطلع} أي أتكلف الطلوع {إلى إله موسى} أي الذي يدعوا إليه، فإنه ليس في الأرض أحد بهذا الوصف الذي ذكره فأنا أطلبه في السماء موهمًا لهم أنه مما يمكن الوصول إليه على تقدير صحة الدعوى بأنه موجود، وهو قاطع بخلاف ذلك، ولكنه يقصد المدافعة من وقت إلى وقت، لعلمه أن العادة جرت بأن أكثر الناس يظنون بالملوك القدرة على كل ما يقولونه؛ ثم زادهم شكًا بقوله، مؤكدًا لأجل دفع ما استقر في الأنفس من صدق موسى عليه الصلاة والسلام: {وإني لأظنه}.